المتوقع من الخطاب العربي المقاوم!

[size=18][font:49c3=Courier New][b]



تحتدم في الميادين العربية معارك عسكرية وسياسية عظيمة الخطورة في أبعادها الأممية، غير أن الخطاب السياسي العربي يبدو قاصراً عموماً، حتى في بعده الإقليمي، بل القطري أحياناً، ففي العراق وفلسطين ولبنان والسودان ينحدر غالباً إلى مستوى المناطق والعشائر والطوائف والقطر في حد ذاته، بينما المعارك الميدانية تفعل فعلها العميق في القارات الخمس، مشيرة عن غير قصد إلى الضرب على العصب التاريخي الحساس للنظام العالمي برمته، حيث لا يدرك الكثيرون ويا للأسف أن العالم بجميع أقطاره وأمصاره يجتاز راهناً أزمة عظيمة متفاوتة الحدّة، وهي أزمة تشمل جميع فروع الحياة البشرية، المادية والمعنوية والبيئية أيضاً، وهذه الأزمة الشاملة، التي تعصف بالعصر الأوروبي وباستطالته الأميركية تتميز بأنها نوعية وليست روتينية، وبأنها تاريخية وليست مرحلية، فهي أزمة تتناول مصير النظام الرأسمالي العالمي ونظامه الدولي، بقضه وقضيضه، بعد أن انقضت خمسة قرون على بداياته ونهوضه.

إن العصر الأوروبي/ الأميركي يضمحل، وكذلك نظامه الرأسمالي العالمي الذي تعاني مؤسساته الدولية من عطب يضرب في نخاعها الشوكي، فهو فاقد لضرورته الموضوعية التاريخية، وهو أصبح عبئاً كارثياً لا يطاق بالنسبة لجميع أمم الأرض، غير أن الخطاب السياسي العربي لا يلحظ ذلك، ويتعامل معه كأنما هو سرمدي معافى!

وعندما انهار المعسكر الاشتراكي أصيب البعض باليأس والإحباط، معتبرين ذلك مظهراً من مظاهر سرمدية وعافية النظام الرأسمالي العالمي، غير أن ذلك الانهيار لم يكن في حقيقته، وفي التحليل الأخير، سوى انهياراً للركن التقدمي الإيجابي من أركان هذا العصر ونظامه العالمي السائد، فهو بالمعنى التاريخي، وفي البعد المتوسط، أشار إلى بداية الانهيار العام لهذا النظام العالمي الجائر، ولسوف يكتب التاريخ كثيراً حول قصر نظر القادة والمحللين السياسيين الرأسماليين الذين ابتهجوا بانهيار المعسكر الاشتراكي، وهو الذي كان يشكل توازناً ضرورياً في النظام العالمي!

عناوين صغيرة لمعارك ضخمة!

إن السمة البارزة الأولى للأزمة العالمية الراهنة هي نوعيتها وتاريخيتها وشموليتها وعمقها، أي أنها ليست روتينية ولا مرحلية، أما السمة الثانية البارزة فهي انهيار جميع الأيديولوجيات في جميع أقطار الأرض، وخلو العالم جميعه من أي مركز استقطاب يطرح البدائل الأيديولوجية المطلوبة، أو الحلول السياسية والاقتصادية والبيئية الناجعة، القابلة للتنفيذ، وهذا الخلّو يعبّر بداهة عن عمق الأزمة واستفحالها، حيث الفوضى والاضطراب، والقلق والضياع، والحروب التي لا يتفق حجمها الضخم مع عناوينها الصغيرة!

والحال أن البنى العالمية الفوقية تضطرب اليوم أشدّ الاضطراب لأنها فقدت ضرورتها التاريخية، وأصبحت معوّقة ومضنية، فالاضطراب يشمل مجمل العلاقات الإنسانية، السياسية والاجتماعية والعسكرية والفنية والأدبية والحقوقية..الخ، لأن البنى المادية التحتية العالمية تبدّلت خلسة وانتهى الأمر! غير أن الناس في معظمهم لا يدركون وقوع هذا الحدث الخطير فوراً ودفعة واحدة، لأنهم اعتادوا العلاقات القائمة وبناها الفوقية السائدة، الأمر الذي يجعلهم لا يدركون ضرورة تبديلها، أو البدء بتبديلها، بما يتفق مع التغيير الذي طرأ على البنى المادية التحتية، ويستمرون في الخضوع للبنى الفوقية التي فقد وجودها واستمرارها كل معنى، وهذا ما نلحظه في الخطاب السياسي العربي العام المقاوم، الذي يبدو وكأنما هو غير مدرك لخطورة وأبعاد أدائه العسكري الميداني!

العرب وعملية الانتقال التاريخية

إن البنى الفوقية العالمية، التي فقدت ضرورتها، تصطدم في كل لحظة مع أبسط مصالح الناس في العالم عموماً، غير أن إدراك حقيقة ما يحدث يأخذ وقتاً طويلاً نسبياً، وهذا الوقت هو بالضبط الأزمة العامة الشاملة التي نشهدها ونعيشها، والتي سوف تستمر إلى أن تبدأ البنى الفوقية البديلة بالنهوض، وبالطبع فإن الخطاب السياسي العربي المقاوم ليس وحده من لا يقدّم حلاً أو تصوراً جاهزاً، وبالمقابل فإن الأميركيين وحلفاءهم وأتباعهم لا يملكون حلاً من وجهة نظر مصالحهم، ولذلك نراهم يلجؤون إلى مجرّد القوة الغاشمة الصماء التي تساعد في تأخير الانهيار لكنها لا تحقق حلولاً ناجعة، فالنظام القطري أو الإقليمي أو الدولي لا ينهض على مجرّد القوة الصماء الباغية والقسر الأعمى، ولذلك فإنه لمن شبه المؤكد أن العالم عموماً يجتاز مرحلة انتقال تاريخية لن يبقى بعدها شيء على ما هو عليه، وهذه المرحلة تتسم بجميع سمات الحرب الأهلية التي نراها اليوم مكثفة ومتمركزة في البلاد العربية والإسلامية!

وإذا كانت الأزمة العالمية تبدو أشدّ حدّة في بلاد العرب والمسلمين، الأمر الذي يظهر العرب والمسلمين كأنما هم أكثر انكفاء وعجزاً، فإن ذلك لا يعني سوى أن دورهم في مرحلة قادمة سوف يكون أعظم بروزاً وأهمية وفاعلية، فحجم انكفائهم الحالي الآني يعادل حجم إقدامهم وفعاليتهم في المستقبل القريب، وهذا يعود بالطبع إلى أهمية موقعهم وحجمهم البشري والجغرافي في البنية العالمية.

لقد بلغ الحال بهذا النظام العالمي الاحتكاري أنه لم يعد قادراً على معالجة وحلّ أزمة من أزمات بلد من بلدانه القيادية، أو إقليم من أقاليمه الرئيسة المتقدمة، إلا على حساب واحد من هذه البلدان أو الأقاليم بالذات، وهو بذلك لا يفعل غير نقل الورم الخبيث من أحد أعضائه إلى عضو آخر، الأمر الذي سيفاقم أزمته التاريخية الشاملة، ونستطيع بسهولة ملاحظة ما يؤكد هذه الحقيقة بالعودة إلى الإحصاءات والأرقام والأبحاث الأممية في جميع الميادين، وأولها نشرات هيئة الأمم، وإن الأمل كبير بأن لا يتأخر الخطاب العربي المقاوم في الارتفاع إلى مستوى هذه الحقائق، وفي تحقيق التطابق بين أدائه الميداني ورؤيته الإنسانية. [/b][/font][/size]