[size=18]الأرهاب قانوناً
25/10/2007
1. أن ظاهرة الإرهاب . كما رأينا فيما سبق , أخذت تشمل المجتمع الدولي كله . والفعل الإرهابي الواحد يمكن أن يشارك في تنفيذه أشخاص من جنسية معينة أو جنسيات متعددة ومختلفة بينما يكون ضحاياه من دول أخرى , أما مكان ارتكابه فقد يكون إقليم دولة ثالثة ( أو عدة دول) .فحوادث اختطاف الطائرات واحتجاز ركابها كرهائن وهم ينتمون إلى جنسيات مختلفة , تمتد آثار فعلها إلى عدة دول ويترتب على ذلك أثار قانونية محلية ودولية . وادى انتشار ظاهرة الإرهاب في المجتمع الدولي كله , واستحضار الأفعال الإرهابية وتنفيذها في دول مختلفة إلى شيوع مصطلح ( الإرهاب الدولي lnternational terrorism) . أن تحديد الإرهاب الدولي أكثر صعوبة من تحديد مفهوم الإرهاب العادي . فالتعنف هو ظاهرة مشتركة بين أفعال الإرهاب الدولي وبين الأنشطة التي تمارسها حركات التحرر الوطني وحركات التحرر من الاحتلال الأجنبي ومناهضة العنصرية . ورغم أن تلك الأفعال وهذه الأنشطة ليست من طبيعة واحدة , ألا أن الكثير من الطروحات , خاصة الغربية , لاتميز بين هذين النوعين , مما يؤدي إلى خلط في ممارستها في دوافع كل منها , وبالتالي تؤدي إلى تباين على موقف متميز حيال كل منهما . وعليه لابد من دراسة مفهوم الإرهاب الدولي في جوانبه السياسية والإجتماعية والقانونية بهدف تحديد المفهوم الدقيق للإرهاب الدولي تميزه عن غيره من النشاطات الأخرى التي تشترك معه في بعض المظاهر , ألا أنها تختلف عنه في الأهداف , وفي بعض الوسائل والنتائج , وخاصة وأن مفهوم الإرهاب سواء الداخلي والخارجي ظل عصياً عن التعريف من قبل المنظمة الدولية , بسبب تدخل الولايات المتحدة التي تصر على تحريم جميع أنواع الإرهاب مهما كانت ومن أية جهة يصدر , وبغض النظر عن الهدف التي تكمن وراءه . . (1)
2. الإرهاب الدولي في التشريعات الدولية والإقليمية
يعتبر الإرهاب الدولي جريمة من الجرائم الدولية . والجرائم الدولية في ظل القانون الدولي هي جرائم يحق لكل دولة أن تمارس إزائها اختصاصا جنائياً بغض النظر عن جنسية مرتكبيها أو ضحيتها أو مكان ارتكابها (2). وهناك عدد من الاتفاقات الدولية التي تلزم أطرافها من الدول بممارسة هذا الاختصاص مثل أتفاق طوكيو 1963 الخاص بالجرائم والأفعال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات , واتفاق لاهاي 1970 لقمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات , واتفاق موتنريال 1917 لقمع جرائم الاعتداء على سلامة الطيران , والاتفاق الدولي لمناهضة ارتهان الأشخاص 1979(3) . ويعد الإرهاب في الفقه الدولي , هو كل اعتداء على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة , مخالف لأحكام القانون الدولي , وعليه يعد الفعل إرهابا دولياً وجريمة , سواء قام به فرد أو جماعة أو دولة(4).ويعود اهتمام المجتمع الدولي بمشكلة الإرهاب إلى عام 1934حين تقدمت فرنسا بطلب إلى سكرتير عصبة الأمم , ودعت فيه إلى أتفاق دولي لمعاقبة الجرائم التي ترتكب بغرض الإرهاب السياسي أثر مقتل الملك الكسندر الأول ملك يوغسلافيا ومعه وزير خارجية فرنسا ( لوس باروتو) في9ك2 1934,وفر الجناة إلى إيطاليا ورفضت الأخيرة تسليمهم بحجة أنهما أرتكبا جريمة سياسية . ووضعت اللجنة التي شكلتها عصبة الأمم لدراسة قواعد القانون الدولي المتعلقة بالعقاب عن النشاط الإرهابي في عام 1935مشروع معاهدة للعقاب عن الإرهاب. وعقدت أتفاقية عام 1937حرمت الإرهاب ونصت أن الأفعال الإرهابية تشمل الأفعال الإجرامية الموجهة ضد دولة عندما تكون هدفها أحداث رعب لدى أشخاص أو جماعات معينة أو لدى الجمهور .. وتشمل الأفعال العمدية الموجهة إلى حياة رؤساء الدول وسلامتهم . . والأفعال الموجهة ضد دولة وسلامتها . . والأفعال الموجهة ضد الأشخاص القائمين بوظائف أو خدمات عامة , كما تشمل التخريب العمدي وإلحاق الضرر بالأموال العامة . إذ يتوفر فيها شرط الركن المادي للإرهاب (5) . وحرمت اتفاقية جنيف
حيازة الأسلحة والذخائر والمفرقعات وتداولها بقصد تنفيذ جريمة من الجرائم سواء تم الفعل أم لمجرد التخطيط واعتبارها من الأعمال الإرهابية ضد الدولة, في حين أغفلت الاتفاقية الأعمال الإرهابية التي تقوم بها الدول ضد الأفراد والجماعات. كما أنها عدت الكفاح المسلح ضد الأنظمة العنصرية والاستبدادية والاستعمار من أعمال الإرهاب. وإدراج موضوع الإرهاب في مناقشات الأمم المتحدة بطلب من أمريكا والكيان الصهيوني أثر عملية ( ميونيخ ) الفدائية ضد الوفد الأولمبي الصهيوني في المانيا عام 1972 وذلك في الدورة السابعة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة (6). وقد كان موقف القانون الدولي من الإرهاب منذ ذلك الحين كما يأتي :
أ. أدانت اللجنة القانونية في الأمم المتحدة الإرهاب بعد مناقشات حادة , وعرضت مجموعة الدول العربية والدول النامية والاشتراكية ضرورة تحديد مفهوم الإرهاب قبل التعرض إلى مواجهته , واستبعدت هذه الدول صفة الإرهاب من أعمال الكفاح المسلح الذي تخوضه حركات التحرر الوطني من أجل الاستقلال لأنه يقع ضمن مواثيق المنظمة الدولية , فيما أصرت الدول الغربية على أن يشمل مفهوم الإرهاب أعمال حركات التحرر وأعتبارها نموذجاً للعمل الإرهابي إرضاءاً للموقفين الأميركي والصهيوني .
ب. عملت الدول الغربية على اقتراح اتفاقيات ومعاهدات دولية لمقاومة الإرهاب وأعتبرت كل أشكال وأنواع ما عدته من الإرهاب مخالفا للقوانين والأعراف والقواعد التي تحكم المجتمع والحياة الجماعية وينال من القيم الإنسانية . وبتأثير هذه الدول أعدت الأمم المتحدة أكثر من (11) أتفاقية دولية خاصة بمقاومة الإرهاب أو الحد منه (7).
ج. طرح الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطراس غالي فكرة التعاون الدولي والإقليمي في الجوانب الفنية في مكافحة الإرهاب بالأستناد إلى الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها من قبل
الدول وتجاوز الصعوبات الفنية التي تعترض تعاون الدول في هذا المجال وتوسيع نطاق الاتفاقات الملزمة قانونا بحجة أن بعض الدول تتردد في التنفيذ والتعاون لأسباب تتعلق بالأمن القومي , ويرى أن أختلاف القوانين في الدول يعترض تنفيذ مكافحة الإرهاب , فبعض القوانين تمنح الإرهابيين وضع لاجئ سياسي , وبعضها لايسمح بتسليمهم (8) . ألا أن فكرة غالي اهتمت بإيجاد آلية عملية لتنفيذ الاتفاقيات الخاصة بالإرهاب , ولم يعر أيديولوجيات من يقومون بالأرهاب ولا أهدافهم ولا دوافعهم المتعددة وضرورة المكافحة (9).
د. بعد الهجمات على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 وبتأثير وضغط من الولايات المتحدة أوعزت الأمم المتحدة للجنة القانونية بتشريع اتفاقية شاملة لمكافحة اللإرهاب , وعلى الرغم من كل ذلك فقد جرت مناقشات حادة واختلفت الآراء من جديد حول تحديد مفهوم الإرهاب من الناحية القانونية , ولم تستطيع الولايات المتحدة والدول الغربية فرض مفهومها الشامل للإرهاب وأدانته بغض النظر عن أهدافه وطبيعة المركز القانوني للقائمين بالأرهاب, وأكتفى مجلس الأمن بإصدار القرار 1373 لسنة 2001 حول الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة .
هـ. أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي نددوا بالإرهاب وعدوه من الجرائم الدولية وعلى المستوى الاقليمي وضعت اتفاقية (أوربا ) لقمع الإرهاب في 27ك2 1977 ضمن إطار الأتحاد الأوربي , وكذلك ضمن إطار المؤتمر الإسلامي الذي أدان الإرهاب في مؤتمر القمة الإسلامي التاسع (10) ,على المستوى العربي أتفق وزراء الداخلية العرب في الاجتماع الثالث عشر للمجلس في ك2 1996على مشروع (الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب ) وهو يناقش سنويا في أجتماع وزراء الإعلام ومجلس وزراء الداخلية العربي وضع الاتفاقيات والقاونين لمنع الإرهاب (11) .
و. مما سبق ذكره , نجد أنه لا خلاف بين الأسرة الدولية على أعتبار الإرهاب الدولي بكل أشكاله جريمة مدانة قانوناً وأخلاقاً , وأن القرارات الدولية والاتفاقات والمعاهدات المعقودة بهذا الصدد تتفق مع ذلك . ألا أن المشكلة تكمن في عدم الاتفاق ضمن إطار القانون الدولي على تحديد دقيق لمعنى الإرهاب , وبالتالي ما هي الأعمال المشمولة بالإرهاب الدولي عن غيرها , وبضوء عدم وجود حدود معنية للتمييز بين مفهوم الأعمال المشمولة بالإرهاب عن غيرها ووقع ذلك ضمن التعبيرات القانونية لهذه الدولة أو تلك , خاصة بين الدولة الغربية التي تنظر إلى الأعمال الإرهابية بنتائجها النهائية بغض النظر عن أي شيئ أخر , في حين ترى دول العالم الثالث خاصة , ضرورة النظرإلى الأهداف والدوافع لتمييز الأعمال المشروعة المقترنة بالعنف عن الأعمال الإرهابية وعند ذلك يكون لكل دولة أن تعرف التزاماتها الحقة تجاه القانون الدولي بما يتعلق بمكافحة الإرهاب والمساهمة في الجهود الدولية لمقاومته بعيدا عن وسائل الضغط التي تمارسها دولاً كبرى لفرض وجهات نظر منتقاة في هذا الموضوع .
الإرهاب في التشريعات الوطنية
3. ظهرت اتجاهات فقهية وتصرفات متناقضة في التشريعات الوطنية لبعض دول العالم وفي الاتجاهات التي تسعى الدول , وخاصة الولايات المتحدة , إلى بلوراتها في المعاهدات الدولية .وبعيداً عن الخوض في التفاصيل القانونية نقول أنه سادت ثلاثة اتجاهات رئيسة لتعريف مفهوم الإرهاب , هي :
أ. الأتجاه الأول يستبعد محاولة تعريف الإرهاب كونها غير مجدية ولا تغير من مضمون النظرة إلى الإرهاب , لأنه صورة مستقرة في الأذهان ولا تحتاج إلى شرح مفصل لمعرفة مضمونه أو التوصيل إلى تعريف دقيق ومجرد له .والرد على هذا الاتجاه يقول أن تعبير الإرهاب غامض وغير مستقر ويمكن أن تتصل به كثير من المعاني المختلفة (12) . ولا يمكن عدم البحث في تعريف مشكلة حيوية كالإرهاب لمجرد أنها بالغة الصعوبة . تبنت الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية موقفاً
يرى هذا الاتجاه وبينت أن في تعريف الإرهاب (مضيعة للوقت ) (13).ويرون أن صياغة تعريف مجرد وموقف موضوعي لمفهوم الإرهاب ليس ضرورياً لتحديد أو منع أفعال الإرهاب , وأن من الضروري والأفضل تبني أسلوب عملي في شكل اتفاقيات متعلقة بمكافحة الإرهاب ومنع الجرائم الإرهابية وسد كل الثغرات المتبقية في هذه الظاهرة . والتعبير العملي لهذا الاتجاه ما تسمى "الحرب ضد الإرهاب "التي تقودها الولايات المتحدة اليوم في
أفغانستان وتحاول نشرها في أجزاء أخرى من العالم ضد حركات ودول .
ب. الإتجاه الثاني . يركز هذا الإتجاه على تعريفه للإرهاب على وصف الأفعال المادية التي يمكن أن يطلق عليها مصطلح "الإرهاب " بصرف النظر عن فاعليها بقصد التخلص من اختلاف وجهات النظر بالنسبة إلى الفعل . وهذا الاتجاه يحاول أن ينحى بعيداً عن المتاهات القانونية والتغيرات المتميزة للتعريفات عن طريق النص على أفعال تعد بحد ذاتها أفعالا إرهابية , ومن يرتكبها ينطبق عليه وصف الإرهاب بغض النظر عن الدوافع لارتكاب مثل هذه الأفعال , وفقاً لهذا الاتجاه فأن الإرهاب هو ( القتل والاغتيال والتخريب والتدمير ونشر الإشاعات وتعطيل دور العبادة واحتجاز الممتلكات وإفساد المحاكم وتخدير الصحافة ,كل هذه الأفعال عندما تشترك في تحقيق غرض معين يتضمن نشر الرعب)(14).ومما يؤخذ على هذا الاتجاه تناوله الإرهاب ما يأتي :
أولا . أن العمليات الإرهابية والابتكارات في تنفيذها أمر لا يمكن التنبؤ بها , ما يجعل تحديد جميع الأفعال التي تشمل الأفعال الإرهابية في تعريف محدد أمر غاية في الصعوبة من الناحية العملية .
ثانياً . أن الأتجاه المادي في تعريف الإرهاب يغفل أمراً مهماً وهو معيار التفقة بين الأفعال اللإجرامية العادية والأعمال الإرهابية التي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية .
ج. الاتجاه الثالث . ويرى النظر بموضوعية لتحديد مفهوم الإرهاب . فالحاجة إلى وجود مدخل لتعريف الإرهاب عن طريق إيجاد أسس معينة لمكانات التعريف مهمة للتواصل من خلالها إلى تحديد مفهوم اللإرهاب , وهذه المكونات تشمل : (15)
أولاً. الرعب , كونه نتيجة لأفعال الإرهابية .
ثانياُ. الضحايا المقصودين لذاتهم بأعتبارهم هدفاً للعملية الإرهابية أو كوسيلة لإرهاب الأخرين وموجودين ضمن منطقة الهدف .
ثالثاً.أهداف أولية محددة توجه إليها الأفعال الإرهابية .
رابعاًَ . أستخدام العنف بصوره المختلفة .
خامساً .أن يقصد الفعل الإرهابي تحقيق أهداف سياسية .
الاجتهادات الفقهية الأخرى
4 ينظر بعض المفكرين على أن الإرهاب هو تفكير موضوعي ينبع من ذات فوضوية لأنه يخرج عن الأعراف المألوفة ويتخذ طريق القوة والعنف للسيطرة على أذهان الجماهير وجعلها ترزح تحت عامل الخوف من المجهول , كما أن هذه الأفعال تأخذ طرفاً ثالثاً بعيداً عن النزاع ليمثل كبش الفداء في هذا الصراع ( الضحية ) , وقال ( إنجيلز ) أن الإرهاب غير مجد لتغيير واقع معين , وإنما تغيير الواقع يجب أن يتم عبر العمل الفكري المنظم الشامل المستند إلى إيدولوجية واضحة (16) , ويرى بعض الفقهاء أن الإهاب السياسي ( هو الاستعمال المنسق للعنف أو التهديد بأستعماله من أجل تحقيق أهداف سياسية )(17). ويرى واتسون الإرهاب " أنه أستراتيجية أو أسلوب يعتمد الاستعمال المنظم للعنف , تحاول جماعة منظمة أو حزب لفت الأنتباه لأهدافها عن طريقه أو فرض التنازلات لأغراضها " (18) ويرى بريان كدوزبير أن الإرهاب ( أستخدام العنف أو التهديد باستخدامه لتحقيق الأهداف السياسية , ومن الممكن إستخدام العنف كسلاح بيد الثائرين أو بيد خصومهم وفي الحالة الثانية يصبح إرهاباً مضاداً ) (19) .
ويفهم أن الباحثين الغربيون يمزجون في تعاريفهم بين النشاطات التي تبذلها الشعوب في البلدان المحتلة ضد كل ذلك وحصرت أثار الإرهاب على المجال السياسي فقط دون تأثير على البيئة الاجتماعية والأقتصادية , و، الأرهاب فعل رمزي يسعى لإحادث إثارة وردود فعل كبيرة تتجاوز حجمها المحدود , وكذلك الأرهاب عمل لا وطن له ولا يخضع للحدود الدولية , ولأنه يقوم على مطاردة الخصوم في كل مكان على خريطة العالم . وفي رأينا أن المعالجة القانونية الصحيحة لظاهرة عالمية تؤثر على العالم ومستقبله , ويجب أن تنطلق من قاعدة شاملة وعامة على الرغم من آية صعوبات في الطريق لتحديد مفهوم دقيق للإرهاب متفق عليه , ويكون الأساس في أية تشريعات وتعاون مشترك لمكافحة الإرهاب وأثاره , هذه المعالجة تشتمل على ما يأتي :
آ .تجاوز التعاريف المنحازة التي تعبر عن وجهة نظر سياسية تحاول تثبيت موقفها عن طريق التبرير النظري , والنظر إلى الموضوع بتجرد .
ب . أن الاتجاهات المنوه عنها لتحديد مفهوم الإرهاب مفهوم الإرهاب قاصرة عن استيعاب كامل لظاهرة الإرهاب لكونها تقتصر على الجانب المادي ( الأفعال ) أ, الجانب القانوني ( الجرائم ) أو الجانب الأخلاقي أو الجانب السياسي , أو الجمع بين هذه الجوانب دون البعض الآخر .
ج. ليس بالنتيجة أن تكون الأهداف والغايات النهائية للإرهاب سياسية فنحن نعيش في عالم تتشابك فيه وسائل القمع والاسغلال واللا عدالة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادي , وقد تكون الممارسات الاقصادية وعولمة الثقافة والاقتصاد والتجارة عاملاً مهماً في تحفيز أعمالاً مضادة موجهة لحماية الذات الثقافية والاقتصادية وغيرها , ولابد أن نشير هنا أيضاً أن الإضرار الشديدة بالبيئة يؤدي إلى حدوث تحولات شديدة في البيئة ينتج عنها مشاكل اجتماعية (كالنقص في الموارد المائية والطبيعة والتصحر ) تؤدي إلى شحة الموارد والهجرة الداخلية والعابرة للحدود وازدياد حدة التنافس بين المجموعات على الموارد , والبطالة والفقر واللامساواة , وتعزيزها الممارسات غير الصحيحة للمؤسسات الوطنية , والإهمال من قبل المؤسسات الدولية . وفي كل ذلك تكمن جذور جديدة للإرهاب مختلفة الأشكال , فلا يمكن والحالة هذه أن نهمل كل العوامل الكامنة وراء نشوء الإرهاب والتركيز فقط على مظاهره . فلا يكفي للقضاء على المرض تناول الأدوية بعد استفحاله , وإنما في الوقاية المبكرة منه .
د. لا تشمل هذه التعاريف على " أرهاب الدولة " حيث أن الفعل الإرهابي الذي تشتمل عليه هذه التعاريف تنطبق على بعض ممارسات أنظمة الحكم كما في الكيان الصهيوني . ويستدعي ذلك أن تتوسع مفاهيم الإرهاب لتشمل إرهاب الدولة ضمن نطاق ولايتها الأقليمية وإرهاب الدولة في البيئة الدولية المقرون بإثارة الرعب والفزع وعدم الاستقرار في الدول الأخرى عن طريق استخدام القوة الفعلي أو التهديد بأستخدامها , أو بواسطة أساليب الإرهاب غير المباشر وفي ظل الوضع الدولي الحالي والعلاقات الدولية السائدة فأن إرهاب الدولة في البيئة الدولية الذي تمارسه دول كبرى بالاستخدام المفرط للقوة العسكرية , ويعتبر بحق أخطر أنواع الإرهاب لشمولية تأثيره في أعداد كبيرة من الناس وتهديد وجود واستقرار شعوب ودول بأكملها لشمولية تأثير في أعداد كبيرة وتهديد وجود وأيتقرار شعوب وغالباً ما يؤدي إلى كوارث إنسانية تتعدى نتائجها وأثارها وامتداداتها الزمنية أفعال الإرهاب الفردية أو الجماعية المحدودة التي تستنكرها الدول الكبرى تحاول وضع تشريعات دولية ضدها .
التمييز بين الإرهاب وغيره من النشاطات الأخرى المشابهة
الإرهاب والعنف السياسي
5. هناك خلط بين الإرهاب والعنف السياسي بسبب التقارب الشديد القائم بينهما ، فكلاهما يرمي إلى تحقيق أهداف وغايات سياسية ويمارسها بصورة منظمة لتحقيق تلك الأهداف من خلال استخدام القوة أو التهديد باستخدامها . وعلى الرغم من هذا التداخل توجد فوارق دقيقة بين المفهومين . فالعمليات الإرهابية غالباً ما تهدف إلى تحويل الأنظار إلى قضية تهم الإرهابيين , بينما يسعى القائمون بالعنف السياسي إلى تحقيق أهداف مغايرة ليست بالضرورة إثارة الرأي العام وجلب انتباهه. وتكون أهداف العنف السياسي اكثر ضيقاً وتحديداً وتسعى إلى هدف مباشر , فالإرهاب يتعدى الهدف المباشر الذي وقع عليه الإرهاب بنية توجبه رسالة أو الإيحاء إلى طرف أخر لتحذره من أتخاذ قرارا أو الرضوخ إلى مطاليب الإرهابيين (20).أذاً الاختلاف الجوهري بين العنف السياسي والإرهاب هو في كون الأول وسيلة أو أداة , بينما الإرهاب هو ناتج العنف . فأغتيال شخصيات سياسية أو أجتماعية مهمة هو نوع من العنف إذا كان بسبب هدف سياسي واضح أو لمجرد التخلص من شخصية غير مرغوب فيه ، في حين يكون إرهاباً إذا كان قصد الأغتيال زرع الذعر والرعب في نفوس القياديين السياسيين أو إثارة وضع من عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي .
الارهاب والعدوان
6 .العدوان هو أستخدام القوة المسلحة من جانب دولة ضد سيادة دولة أخرى أو وحدتها الإقليمية أو استقلالها السياسي أو بأي أسلوب أخر يتناقص وميثاق الأمم المتحدة (21).ويختلف العدوان عن الإرهاب في أن الأول قد يكون وسيلة من وسائل الإرهاب أو لا يكون , وقد يهدف الى تحقيق غاية معينة أو قد يكون لمجرد الاعتداء , وأن أسباب العدوان تكون محط استنكار من قبل الأفراد والمجتمعات والدول , بينما تكون دوافع الإرهاب مقبولة لدى بعض الأطراف (22).
الأرهاب والحرب
7 .الحرب صراع مسلح بين دولتين أو كثر لفرض إرادة الطرف المنتصر على المغلوب . وأوجه تباين الحرب عن الإرهاب تتخلص في أن للحرب قوانين وقواعد مقررة ومعروفة دولياً تنظمها , بينما ليس للإرهاب غير المشروع قواعد أو أعراف دولية . ومن ناحية أخرى تكون الحرب عادة صراعاً بين دول , بينما الإرهاب في الغالب عبارة عن جماعة /منظمة تضرب في الزمان والمكان الذي تريده ولا تتوقع غالباً رداً مقابلاً مباشراً . وتحدث أثناء الحرب عمليات إرهابية ، ولكن لا يشترط أن تحدث الحرب في اثناء الأحداث الإرهابية أو بعدها, وأن جرائم الحرب التي ترتكب من قبل الأطراف المتحاربة منصوص عليها في قانون الحرب ( القانون الدولي الإنساني ) , في حين لم تقتن جرائم الإرهاب بعد .
الإرهاب وحرب العصابات
8 .حرب العصابات أسلوب للقتل المحدود تقوم به جماعات ضد قوة معادية نظامية صغيرة لا تخضع لقواعد ثابتة
وتتميز بالمباغتة والاستخدام المرن للقوات لكسب المباداة , ويلتقي الإرهاب مع حرب العصابات في التقائهما على عنف منظم يحمل معه أهداف سياسية .
أما أوجه الاختلاف مابين الاثنين فهي :
أ. حرب العصابات تعتمد في الأغلب على الدعم المادي والمعنوي والمأوي من السكان المحليين , بينما لا يتمتع الإرهاب بقواعد إسناد ثابتة .
ب. مسرح عمليات الإرهاب يتركز غالباً في المناطق الحضرية , بينما الميدان الرئيس لحرب العصابات المناطق الجبلية والأرياف ومراكز تجمع القوات النظامية .
ج. تستهدف حرب العصابات استنزاف العدو وتحرير الأرض التي يحتلها أو التخلص النهائي من وجوده العسكري , بيما يستهدف الإرهاب الدعاية ولفت النظر وإثارة المشاريع لكسب ود الرأي العام تجاه القضايا التي يعمل من أجلها الإرهابيون , أو ابتزاز الجماعات والسلطات المنافسة . (23)
الارهاب والجريمة المنظمة
الجريمة المنظمة عبارة عن عنف منظم بقصد الحصول على مكاسب مالية بطرق وأساليب غير شرعية (24) .وتختلف عن الجريمة الاعتيادية بأنها تأتي بعد تدبير وتنظيم وتنفيذ أفراد العصابة , وأساليبها السطو والاحتلال والقتل والتزوير .وتشترك الجريمة المنظمة مع الإرهاب بطبيعة العمل الذي يتميز بالعنف والتنظيم والقيادة عبر مجموعات أو منظمات تخطط للقيام بأعمالها بسرية ودقة , وأن كليهما يسعى لإفشاء
الرعب والخوف والرهبة في النفس الموجهة إلى المواطنين والسلطات في آن واحد , إلا أن هدف الجريمة من ذلك الحصول على أموال الناس وردع رجال الشرطة عن التدخل والتصدي , في حين أن عمليات الإرهاب قد ترهب المواطنين لإثار الرأي العام ضد السلطات وإظهار عجزها عن حمايتهم . ويختلف الإرهاب عن الجريمة المنظمة بأن وراءه دوافع تتمثل في قناعة الإرهاب التامة بفكرة أو قضية مشروعة من وجهة نظره ,بينما تقف وراء المجرم دوافع ذاتية ضيقة, وفي حين يترك الفعل الإجرامي تأثيراً نفسياً لا يتعدى نطاق ضحايا العمليات الإجرامية , فأن العمليات الإرهابية يتجاوز أثرها نطاق الضحايا كما سبق وأن يبنا , كما أن أساليب التدريب والتجهيز والتسليح هي الأخرى مختلفة بين الطرفين .
الإرهاب وحركات التحرر
9.تقوم وسائل الأعلام الغربية بالخلط والتشويه المتعمدين بين الإرهاب وحركات التحرر لإضفاء عدم الشرعية على الأخيرة . إلا أن استعمال القوة من قبل حركات التحرر الوطني ضد الأنظمة الاستعمارية أو الاستبدادية والعنصرية وضد أشكال السيطرة الأجنبية ,هو حق مشروع لاعلاقة له بمسألة الإرهاب مادام سلوك المقاتلين من الطرفين تحكمه الاتفاقات الدولية (25) , ويحدث الخلط إذا ما استعملت القوة من قبل أفراد منتمين إلى حركات التحرر الوطني أو يعملون بأسمها ضد أهداف مدنية خارج أراضي الدولة العدوة (26).وهناك اتجاهان رئيسيان في مسألة الإرهاب وحركة التحرر الوطني :
أ. اتجاه يرى ضرورة التميز بين أنشطة تمارسها حركات سياسية ثورية تحاول تحقيق مصير شعوبها واستقلالها وبين الإرهاب , فالعنف الذي تمارسه هذه الحركات مسوغ , في حين أن عنف الإرهاب يهدد أرواح
الأبرياء ويهدد بالخطر علاقات التعاون والصداقة بين الدول . وهذا هو رأي أغلب فقهاء القانون الدولي .
ب. أتجاه لا يميز بين تلك الأنشطة والأفعال السابقة , ويعدها جميعاً من قبيل الأعمال الإرهابية , وهذا هو الموقف في الغرب , وأن سبب الاختلاف بين الاتجاهين يرجع إلى سبب الاختلاف في المواقف حول حركات التحرر نفسها . فالمؤيدون يرون أنها حركات ثورية
ج . مشروعة ولو استخدام العنف القوة من قبيل الإرهاب وينبغي محاربتها والوقوف ضدها . وما زال الخلاف حول شرعية الكفاح المسلح في سبيل الحرية والاستقلال وشرعية العنف الذي يستخدمه , محتدماً بين الكتلة الغربية من جهة ودول العالم الثالث من جهة أخرى (27).[/size]