[b]حكايتي مع إليزابيث[/b][b] نقطة تحول [/b]
اسمحوا لي أن أعرفكم على فتاة ٍ سويدية ٍ اسمها إليزابيث ، تعرفت عليها
قبل سبع سنوات، و بالتحديد في بداية عام 2003 ، حين أنهت دراسة الثانوية
العامة , وقررت ترك المدرسة ، لأنها تعبت ، كما قالت ، وجاءت إلي تطلب
عملا ً في مطعم .أعطيتها عملا ً بنصف دوام ٍ يوميا ً ، كانت سعيدة ً بعملها في المطعم رغم أنها كانت تجلي وتمسح وتساعد بكل شيء.ذات
يوم سألتها أن كان هذا هو كل طموحها ؟ فاستغربت السؤال لان والدها لم
يسألها، وترك لها حرية الاختيار، لأنها أصبحت بالغة وتجاوزت الثامنة
عشرة من عمرها . أجابت : لا .لكن ما هو البديل ؟ وأي فرع ٍ في الجامعة يتطلب أربع ، أو خمس سنوات ٍ من الدراسة ، وبعدها البحث عن عمل بدون فائدة .إذا لماذا التعب ووجع الرأس؟قلت لها : ـ لماذا لا تدرسين اللغة العربية ؟نظرت إلي., وكأنني فاجأتها بشئ ٍ لم تك تتوقعه أبداً ، ثم مطت شفتيها باستغراب :العربية ؟ وماذا سأفعل باللغة العربية ، وأنا سويدية , ومقيمة في السويد؟
قلت : تعملين الكثير ، تستطيعين أن تعملي في مجال الترجمة، أو معلمة ،
في السلك الخارجي ، مجال العمل سيكون كبيراً ومهما ً , وأنت تجيدين اللغة
العربية إلى جانب السويدية والانكليزية ، وأنهيت كلامي بالقول : وأي
مساعدة تطلبينها أنا جاهز . بعد أسبوعين جاءت إلي
تقول بأنها تريد ترك العمل لأنها سجلت في (جامعة اوبسالا ) القريبة من
استوكهولم، لدارسة الأدب العربي, فرحت كثيرا ً ، و شعرت هي بفرحتي ،
فحضنتني شاكرة ً ومودعة ً , فتمنيت لها التوفيق.[b]لقاء وتعارف[/b]بعد
ثلاثة أشهر ٍ تقريبا ً علمت بان رجلا ً سويديا ً سأل عني, وترك بطاقة ً
تحمل اسمه، ورقم تلفونه ، متمنيا ً أن اتصل به بخصوص إليزابيث .اتصلت
حينها ، و تعرفت على الرجل وهو الصحفي هنريك وزوجته معلمة المدرسة, وعلمت
أن إليزابيث هي ابنتهما وأنهما مرا بالمطعم من أجل أن يشكراني ، وبعد أيام ٍ
التقينا ، ومن يومها أصبحنا أصدقاء جدا[b] ً . [/b] [b]2005 إليزابيث في العراق[/b]أنهت
ا إليزابيث عامها الأول, وجاءت إلي وهي تضحك , قالت إنها ستمضي صيف هذا
العام في العراق ، لتتعرف على الشعب العراقي عن قرب ، وهو تحت الإحتلال ،
وطلبت مني أن أزودها بما أعرف عن العراق ، وقبل أن تنصرف طلبت منها أن تكون
حذرة ً جدا ً ، لأن الأوضاع صعبة ٌ جداً , ومخيفة.مرة ً ثانية ً حضنتني بقوة ، همست بأذني : لا تخف علي .بعد
شهرين تقريبا عادت من العراق , ولم تتمكن من زيارتي، بل اكتفت بحديث ٍ
تلفوني ٍ طويل ٍ ، أخبرتني من خلاله بكل ما جرى معها في العراق ،
الويلات والخوف والرعب وكره الشعب العراقي للاحتلال الأمريكي ، وتطلع هذا
الشعب إلى لحرية والعيش بكرامة . [b]2006 إليزابيث في أفغانستان[/b]أنهت
إليزابيث سنتها الثانية ، وجاءت برفقة والديها ، أخبرتني بأنها ستغادر
إلى أفغانستان ، بعد ثلاثة أيام، وحين بدت علامات الاستغراب على وجهي ،
سارعت بقولها : اعرف "انتبهي إلى لنفسك و و" مثلما قلت لي في المرة
السابقة ، وأنا سأقول لك شكرا وأحضنك وأقول مرة ً ثانية ً : لا تخف علي ،
وغادرت . بعد شهر تقريبا وصلني كارت لصورة ٍ التقطتها ، لأولاد
أفغان فقراء، يجلسون على الأرض، وإليزابيث تعلمهم الأحرف ، فرحت
كثيراً ، واتصلت بوالدها ، فرد ضاحكا ً بأنه استلم أيضاً صورة ًمشابه
ً ولكنها لنسوة ٍ أفغان .[b]2007 إليزابيث في غزة[/b]مرة
ً أخرى، عادت إليزابيث إلى جامعتها ، لتبدأ سنتها الثالثة ، وكانت تتصل
بي باستمرار ، وتسألني عن الأخبار، أو عن معلومة ٍ ما تتعلق بأصل كلمة ٍ
أو بلد ٍ أو نظام حكم ٍ .مرت الأيام والأسابيع والشهور ، وبدأت أشعر كأنها ابنتي ، التي لم يرزقني الله مثلها ، فكانت هي .وحين أنهت دراستها للعام الثالث ، جاءت لزيارة عائلتها ، فذهبت إليهم برفقة زوجتي ، قلت لها :عراق وأفغانستان والآن ، إلى أين.؟اتجهت
نحو التلفاز ، وقالت : انظر إلى مدينة غزة إنها تحت النار والحصار, وسأذهب
إلى هناك .نظرت إلى والدها فأشار بيديه وكأنه يقول : "ليس بيدي شي اعمله "
.ودعناها بحرارة وقبل أن تقول شيئا ً قلت لها : ستعرفين
حين تعودين ، مشوارك إلى غزة مختلف ٌ تماما ً عن مشاويرك السابقة يا
ابنتي ، احرصي على عينيك وقلبك . نظرت إلي بدهشة وكأنها تستفسر عن شيء ٍ ما
.وذهبت إليزابيث إلى غزة عام 2007 ، وعادت بعد خمسة أسابيع،
اتصلت بي تبكي، قالت بأنها منهارة ٌ تماما ً ، وأنها عرفت لماذا أوصيتها
بعينيها وقلبها ؟ لأنهما بكيا كثيرا ً ، ومازالا يبكيان وأنها محتاجة ٌ
إلى طبيب ٍ نفساني ، لكثرة ما شاهدت من أهوالٍ فظيعة ً لأهل (غزة )تحت
الحصار وقالت : اعتقد أن العام القادم سيكون أسوأ بكثير . [b]إليزابيث في دمشق 2008 [/b] أكملت إليزابيث عامها الرابع بتوفق, وجاءت إلي كالعادة تطلب شيئاً رائعاً ، قالت :ـ
أنت الذي شجعتني لدراسة اللغة العربية , وقلت لي بأنك جاهزٌ لأي شئ ٍ
أطلبه ، أتذكر؟ قلت : نعم اذكر ذلك , ماذا تريدين ؟ قالت : لتكتمل لغتي
بشكل ٍعملي ٍ أفضل, واقوي ، نصحني البعض بالذهاب إلى جامعة دمشق لمدة ستة
أسابيع , وهذا حلمي ، لسببين : الأول أن الشام بلدك أنت، يا من أخذت بيدي
منذ البداية., وفتحت عيني على لغة ٍ رومانسية ٍ جميلة , وعالم ٍ عربي ٍ
طيب ٍ وكريم ، ومظلوم ٌ كثيرا. والسبب الثاني أن دمشق هي أقدم مدينة ٍ
مأهولة ٍ في التاريخ ومازالت حتى اليوم , حلم ٌ أن أراها ، فهل
ستساعدني ؟ . قلت لها : اطمئني سيكون كل شئ ٍ جاهزاً خلال أيام.اتصلت بالصديق والممثل عباس الحاوي ، والصديقة الدكتورة صافية الحسن ، فرحبوا بالفكرة وابدوا استعدادهم باستقبالها . سافرت
إليزابيث إلى دمشق, والتقت بأخي الروحي عباس وصافية اللذين أبدعا وأكرما
ضيافتها, وكنت كلما اتصل بعباس تلفونيا ً ترد إليزابيث قائلة ً : أنا في
جبل قاسيون ، أو أنا في مقهى أدخن النرجيلة ، وتخبرني أنها أكلت بوظة عند بكداش في سوق الحميدية, وزارت( باب توما) و( وباب الجابية )، (باب شرقي ) و(صيدنايا ومعلولا) .في
23 كانون الأول 2008 عادت اليزابيت من دمشق مباشرة ً إلى بيتي برفقة
أهلها، محملة ً " بقلاوة وبرازق ومعمول" وبدأت تتكلم باللغة العربية :
هذه البرازق من الدكتورة صافية, وهذه البقلاوة من أعز صديق عباس ، وهذا
المعمول مني أنا، كانت ليلة ً لا تنسى وهي تروي ذكرياتها عن بدمشق بلغة ٍ
عربية ٍ جميلة . [b]إليزابيث في السفارة [/b]بعد
اقل من أسبوع اتصلت بي باكية ً ،وهي تقول : انظر إلى التلفزيون ، إنها
الحرب على غزة، اجتياحٌ لجيش ٍ كامل ٍ على مدينة ٍ ليس لديها ما تأكل
وتشرب ، إنه عارٌ على كل القيم والأخلاق ، وانهارت تبكي .بعد شهرين وقفت أمامي في المطعم تضحك، سألتها، ما بك ؟قالت : أنا سعيدة ٌ جدا ً ، وارتمت في حضني تضحك ، عدت اسألها من جديد قالت :تم تعييني سكرتيرة مساعدة للسفير السويدي في مصر ، وهذا كله بفضلك ، وراحت تضحك وأنا اضحك ، كاد كلانا يبكي فرحا.ذهبت
إلى مصر ، وبقيت عدة أشهرٍ ، ولم تستمر لأنها في أوقات فراغها ،كانت تذهب
إلى معبر رفح ،وتلتقط الصور ولم تقو على الانتظار والعمل بشكلٍ روتيني ٍ
في مكتبها .[b]الناشطة اليزابيت[/b]
عادت إلى لسويد وأقامت معرضاً لصورها في معبر رفح وغزة , ونشطت مع والدها
وأمها في حشد مسيرات ٍ ضخمة ٍ ، توجت بالأكبر في مدينة ( بورس )،
للتنديد بجرائم إسرائيل الوحشية , وكم كان منظرهم رائعاً وهم يرتدون
الشماخ الفلسطيني , ويتقدمون المسيرات , وفي المساء كانوا يجمعون الأخبار ,
وينسقون المواقف, ومن أهم ما فعلته اليزابيث وعائلتها :ـ أولا ً
كشف عملية تزوير البرتقال الإسرائيلي، من خلال وضعه في صناديق كتب عليها(
اسبانيا ) فأجبرت الحكومة على إتلاف البرتقال الإسرائيلي, وأوقفت
استيراده .ـ ثانيا ً: تم جمع آلاف التواقيع ، لدعم أهل غزة بقرارٍ بالتبرع بإجرة يوم ٍ كامل ٍ من جميع وسائل النقل الداخلي لصالح أهل غزة .ثالثاً
: أقام والدها معرضاً للصور يقارن بين الإسرائيلي اليوم ، والألماني
النازي ، وبين الفلسطيني اليوم ، واليهودي قبل أيام هتلر النازي متسائلاً
: كيف يمكن أن تقنعوننا بأنكم تعرضتم للإبادة والظلم ، وأنتم تمارسون
اليوم أبشع منه . [b]المفاجاة [/b] ذات
مساء قلت لوالد ليزا : أشكركم كثيرا لأن ما فعلتموه أكثر بكثيرٍ مما كنت
أتوقع, وأكثر بكثيرٍ من دولٍ عربية ٍ وقفت للأسف الشديد تتفرج. نظر إلى
زوجته، ثم نظر إلي وقال : أريد أن أصارحك: نحن الذين يجب أن نشكرك ، لأنه
لولاك لبقيت ابنتي بدون أي شهادة، أو موقف ٍ ايجابي ٍ في حياتها ، ولما
أصبحت ناشطة ً كبيرةً في مجال حقوق الإنسان، ولبقيت طيلة حياتها تجلي وتمسح
في المطاعم و الحانات., ولبقينا مثل غيرنا لا نعرف حقيقة ما يجري في
العالم عامةً والشرق الأوسط خاصة ً ، واليوم صار عندنا قضية , وهي نشر
حقيقة ما يجري وكل هذا أيضا ً بفضلك . أريد أن أشكرك كثيرا ً نيابة ً عن كل عائلتي، فأنت في نظري خير سفير ٍ لبلدك الكريم.خرجت
وأنا أحمد الله ، أنني والممثل عباس الحاوي، والدكتورة صافيه ، وكل
الشرفاء الطيبين ، استطعنا أن نشكل لوبي ايجابي يفهمنا كمغتربين أولا ً ,
ويفهم قضيتنا , ويتعاطف معنا لعل وعسى يكبر هذا اللوبي شيئا ً فشيئا ً ،
ويصبح قوة ً فاعلة ً , ومؤثرة